لحظة ... ونصف ، قرع باب الموت، و انتظر "مُعدله"

Jan 14, 2012 21:54

.
.

استيقظ، شعر بثقل شديد في جسده، شيء ما في فمه ولا يستطيع إخراجه، يشعر بصداع شديد، يداه لا تتحركان، قدميه ثقيلتان كحجر الصوان، حاول أن يتكلم لكن شفتيه لم تتحركا أيضاً ..
أصيب بالرعب، هلع ! مالذي يحدث ! المكان حوله مظلم تماماً ! لايعرف إن كانت عيناه مُغلقتان أم أنه في غرفة معتمة !
حاول أن يصيخ السمع لعله يهتدي إلى شيء ما يريح قلبه، لكن لا شيء ... هدوء مُرعب ، حتى الهواء فقد صوته !

هُنالك شيء، وكأن طبلاً صغيراً تقرعه الرياح من داخل، لا صوت يُسمع له لكن حركته تصدر صوتاً .. يشعر بحركة جسده رغم عدم قدرته على الحركة، يهتز بسرعة، وكأنه في أفعوانية تحارب الجاذبية الأرضية ، إلى الأمام فالخلف، بسرعة مُثيرة للغثيان، الأمام.. الخلف، الأمام وبسرعة يعود جسده للخلف ..
يعرف أنه لا يتحرك، يعرف أنه لايسمع صوت طبل مكتوم: فالحركة هي حركة جسده الداخلية، والصوت يعود لقلبه الذي ينبض في أذنيه مراراً وتكراراً ..

الرعب تملكه، جسده يفقد توازنه ويسبب له الدوار رغم ثبوته، صوت قلبه مُزعج جداً ، هُنالك أصوات أخرى يستطيع سماعها ..
قرقرة بطنه، طقطقة مفاصله التي يجاهد في تحريكها وصوت آخر غريب يسمعه من لحظة لأخرى ...

لا يعرف أين هو الآن، ما الذي يحدث من حوله، ما الذي حدث لجسمه، أهو ميت أم حي ؟
" دُفنت حياً !"
فكرة خرجت إليه من أعماق ظلام عقله المرتبك، نعم بالطبع لا بد من أن أحدهم ظن بأنه ميت ودفنه ! لابد من أنه خطأ طبي ! أجهزة المستشفيات الغبية المهترئة !
ألا يمكنها الإحساس بضربات قلبه قبل أن يدفنوه حياً !
حاول التحرك من جديد، لكن جسده يرفض تحريك نفسه، ولكأن فوقه طنُ من الحجارة يمنعه من ذلك ..
" لقد لُف الكفن جيداً !"
فكر بسخرية سامحاً لومضة إبتسامة بالعبور ..
لكن مهلاً لحظة ! إن كان دفن حياً فهذا يعني أنه مات !
ماذا لو كان ميتاً حقاً ؟
ميتاً بطريقة لايفهمها غيره ؟
حادث أودى بجميع جسده للتوقف عن العمل حتى ظن الجميع أنه لا أمل من شفائه !
" لابد من أنني في غيبوبة ! "
قال لنفسه من جديد ! إن كان بغيبوبة فلا غرابة بعدم تحرك جسده وبذلك الشيء الغريب الذي يحسه داخل فمه دون أن يستطيع بصقه بعيداً !
إن كان في غيبوبة فلا بد أن شيئاً ما حدث له !
لكن مهلاً لحظة !
أكل من في غيبوبة مُستيقظ ؟ أعني هو يشعر بما حوله، رغم توقف جميع أعضاء جسده عن الإستجابة له، لكنه حي ! ويشعر بأنه كذلك !
هل عقله هو الوحيد الحي ؟
هل يعقل أنه ليس -حقاً- في غيبوبة بل مُصاب بشدة بسبب حادث ما ألحق به ضرراً بالغاً لدرجة فقده الإحساس ببقية جسده ؟!
" بالتأكيد لم أصاب بالشلل ! تباً لا أتذكر أي شيء حدث لي !"
فكر بفزع ، خلايا عقله تحاول بيأس تحليل الموقف الحالي وتحاول بيأس أيضاً إستخراج كل المعلومات التي قد تفيده وتحاول أيضاً بنفس الوقت تحليل آخر الأحداث قبل أن يجد نفسه في هذا المأزق العجيب !
بالإمس - أو آخر مايتذكره من كونه عادياً - كان يتناول طعام العشاء، شاهد التلفاز حيث كان يعرض برنامج ممل جداً -لا يتذكر عن ماذا يتحدث - ثم إستلقى في سريره ونام ..
فقط ، لا شيء مُختلف، خارق للعادة أو مثير للشبهات !
ماذا لو نسي شيء ما ؟ تفصيل صغير مُهم غير مجرى يومه "المُعتاد" ليكون " خارقاً للعادة" ...
ليكون محتجزاً في كينونة السواد هذه ..
"فكر ! ..فكر تباً ما الذي حدث وأوصلك إلى هُنا !"
فكر .. فكر وشحذ فكره في إيجاد بداية خيط يوصله إلى هُنا.. "الآن" ، لكن لاشيء ..
مضت ساعات طوال " أو هكذا يظن، لأنه لايستطيع تمييز شيء ما خارج حدود عقله ، فالوقت بدأ يفقد تأثيره ويتحول لكرة مطاطة لا يعرف زواياها وحدودها" .

فجأة !
أتى صوت غريب، طقطقة، صوت جريان سائل ما ، يشعر الآن بحرارة شديدة تدخل جسده، ألم شديد يرافق تلك الحرارة وكأن أعصابه تحترق مع جريان السائل داخله، يشعر به جيداً، يدخل كموج هادر، يحرق أعصابه، ثم وبهدوء يتغلغل داخل جسده، تاركاً برودة لذيذة تعوض عن الألم السابق ..

توقفت خلايا جسده فجأة عن التفكير وبدأت بتحليل هذا المُعطى الغريب .. الذي بدأ -أخيراً- بالإلتحام التام بشعوره الداخلي ليصبح مساره واضحاً وتحركه معلوماً!
لقد أصبح الآن قادراً حتى على سماع والإحساس بعمليات جسده الطبيعيه.
ماهذا الشعور الغريب ؟
أسيصبح قادراً على سماع صوت أمعائه والإحساس بالدم يدور حول ضلوعه ؟
أسيصبح قادراً على التحكم بعدد نبضات قلبه ومسار النبضات العصبية في دماغه ؟!
نشوة إعترت جسده إثر تفكيره بالإحتمالات العجيبة التي سيستطيع أن يحققها إن تحكم بجسده كاملاً بشكل تام، كيف سيكسر المستحيل ويطوعه تحت يديه ...
.
.
.

لكن ماذا لو ...
.
.
صمت مُفاجئ خيم عليه ..
ظلام غطى عقله من جديد ..
توقف عن التفكير، إحساسه بنبضات قلبه يتضائل ويتضائل .. غيمة سوداء اقتربت أمامه ..
غطت المنطقة الخلفية من عقله، وببطء زحفت وزحفت حتى أصبحت تحجبه عن جسده، نافذة صغيرة تبقت، شعوره بالشعور نفسه اختفى !
" تباً.."
فكر بضعف وبهلع، النافذة تتضائل، شعاع النور تحول إلى خيط حريري رفيع ...
ثم سُحب .
.
.
.
وعاد لغيبوبته .

Posted via m.livejournal.com.
Previous post Next post
Up