.
نامت مدينة الضباب, لندن بعد عناء يوم طويل.. لا يضيء شوارعها سوى قناديل بالكاد تضيء ماتحتها فقط. وجودها لا يعني شيئاً بسبب انتشار الضباب حول المدينة, يلفها كشرنقة ضعيفة.. ويبقيها في حضنه حتى شروق الشمس, التي تزيحه رغماً عنه.
في هذه الأجواء الشاحبة, شاب طويل يجوب المدينة يبحث فيها كعادته عن شخص لن يتم افتقاده في الصباح, لمحة منه تخبرك بأنه يوازي هذه المدينة كآبة وظلمة!
"هذا غريب" قال كيڤن في نفسه, "أين الطفلة التي كانت تبيع الزهور طوال الاسبوع؟" ليس من العجب تساؤله ذاك فهو متواجد منذ وقت طويل ويعرف بسرعة مايستجد من الأمور, نعم وكذلك الأشخاص. تابع طريقه وإذ به يسمع صوت عربة قادمة "من المجنون الذي يقود في الظلام ؟" وعندما وقعت عينيه على طريق العربة وجدها! فقدت وعيها في منتصف الطريق! أسرع يحملها قبل أن تدهسها العربة لكن لايمكنه الابتعاد فصرخ كي تتوقف, سحب قائدها لجام الخيول بقوة وانحرف بها يمينا كي يتجنب الاصطدام به واختل توازن العربة. شتائم ارتفعت من داخلها وفتح بابها بغضب, "مالذي فعلته أيها الأحمق؟" صرخ صاحبها, فأجاب السائق بتردد:"ولكنه كان واقفاً أمامي", "سحقاً لك ولم لم تدهسه؟ هل تجرؤ على إلحاق الأذى بي فقط من أجل تافه مثله؟" التفت إلى كيڤن كي يتابع سبابه عليه وما ان التقت أعينهما حتى بدأ بالصراخ, فعينيه اتسعتا من الهلع! شعلتان من نار تحدقان به وفم كشف عن أنياب مرعبة "يبدو بأنني وجدت عشائي الليلة, شكراً لك" قالها كيڤن منقضا على الرجل
انتبه مرغماً عندما سمع أنيناً خافتاً يصدر منها, ما جعله يقطع وجبة عشائه في منتصفها, ليتذكر بأنه قد ضمها بقوة إلى صدره.. تفحص حالها فوجد حرارتها مرتفعة جداً وجسدها هزيل يرتجف.. لا يستطيع تركها بهذه الحال, حملها واختفيا داخل الضباب...
.
.
.
وبعد عشر سنوات
أحسَّ بنظرات حاقدة تخترقه, وكأنما تسترجيه كي يلتفت إلى الوراء ليرى صاحبها...
تجاهلها بلا مبالاة, يتابع طريقه بهدوء
ظل يطارده حتى التقيا في خارج المدينة, كيڤن ظل يتأمله بصمت ...
استرجع مطارده ماقد سمعه عن عينيّ كيڤن ...
"عيناه تحملان لوناً كـ لون غروب شمس غاضبة, يشوبها إحمرار
تتحول عند غضبه حتى تكاد تقسم بأنهما شعلتا نار تتوهج
وكي لا تكون خطرأ على الكل, ولكي يقوم بإخماد شرر عينيه المتطاير, يجب عليه أن لا يحس بالجوع
فذلك كفيل بإثارة فوضى تنتهي بمذبحة متوحشة
يجب عليه تغذية نفسه بدماء بشرية باستمرار كي يتجنب لعنة تلك العينين المشتعلتين
قد حاول مرارا التخلص من هذه اللعنة .. وقد حاول قتل نفسه أيضاً ولكن لا جدوى....
فكلما زادت محاولاته للتخلص منها تزداد شراسة عينيه وتتضاعف وحشيتها
استنفذ كل جهوده في محاولاته للتخلص من لعنته, منذ مئات السنين وحتى الآن.. حتى استسلم للأمر الواقع بأن لا مفر منها...لم يدع تعويذة سحرية ولا طقوساً وحشية ولم يبخل بالتضحيات أبداً...لا فائدة...
عينا كيڤن, ليستا بالجحيم المطلق كما ظننتم, الشر الكامن فيها لا يؤثر سوى على الأشخاص ذوي النوايا والأفعال السيئة, كعقوبة لهم..
أما البقية, فلا ضرر عليهم منهما, بل بالعكس سوف يعيشون تجربة عجيبة وماتعة عند لقائهما... ولكن! من ذا الذي يضمن سلامة قلبه من الشرور والأحقاد حتى يتأملمها باطمئنان.
عيناه لا يتغير لونهما فقط بل ترسل مشاعرها نحوك وتأسرك كي تشارك كيڤن بما يشعر به لحظتها, فإذا ماشعر بالحزن سوف تشعر به معه وإذا ما ابتسم, لا تكاد الدنيا توازي سعادتك وابتهاجك..
ولكن عندما يغضب فسوف يلقي بك إلى أعماق ذكرياته المرعبة وستظل حبيساً لها! يبدأ تأثيره بمجرد ملاقاتك لعينيه..حيث يتوقف بك الزمن
وتسقط في دوامة تأثير عجيب يشابه في تأثيره التنويم المغناطيسي .. ولكن مفعوله اقوى, سوف تسقط مباشرة داخل الجزء المؤلم من ذكرياته هو! وسوف تتذوق قليلاً من الآلام التي مر بها
وما ان يحدث ذلك حتى يختل توازنك وتسقط في بعد آخر لا ترى فيه بعينيك ولا تسمع فيه بأذنيك.. بل كل مايحدث هو داخل عقلك فقط, كل شيء حقيقي المشاهد الدموية العنيفة, المذابح الجماعية المرعبة, الاشلاء المتناثرة.. بل وصرخات المعذبين. ولكن الشيء الوحيد الذي يرتبط بواقعك هو صرخاتك أنت
ومامن سبيل للتخلص من ذلك الألم, الحل الأوحد الذي سيخلصك من عذابك هو ان يقوم بغرس أنيابه في مؤخرة عنقك ويبدأ بامتصاص دمك, وكذلك تخليصك من ذلك الهوس الجنوني الذي أصابك فتأثيره أشبه بفيروس أصاب عقلك ويتم استخلاصه عن طريق شربه لدمك.."
قال متهكماً: "أمامك حتى منتصف الليل فقط! إذا لم تصل في الوقت المناسب, فلن يتبقى ماتستطيع التعرف به عليها, المعذرة فأنا لا أستطيع السيطرة على أتباعي" اختفى كيڤن من أمامه فجأه كأن لم يكن هنا قبل لحظات.
مالذي يحدث داخل عقله؟ تسارع أفكار مقيتة تتجول بلا سيطرة, تصور له مختلف المناظر المروعة التي قد يجدها عليها, ينفض رأسه بعنف كي تبتعد تلك الأفكار وهو لا يزال متجها بأقصى سرعته نحو ذلك المكان
"آنيتا, أرجوك اصمدي"
ظلام حالك, فالقمر اعتذر عن الظهور في هذا اليوم المقيت
تجاوز الغابة حتى وصل إلى منطقة خاوية تماما أمامه فقط جبل مرتفع ومن وراءه الغابة بأشجارها العالية هاهو المكان المقصود, ولكن ماهذا؟! لا أسمع نبضاً, ولا أثر لأية دماء! "اخرجوا بسرعة لا وقت لدي" تردد صوته عبر المكان
ارتفعت ضحكات ساخرة من أنحاء المكان.. فبدأوا بالخروج من داخل الغابة, كانوا عشرة تقريباً..
"أين زعيمكم؟" أجابه صوت من فوقه. وقف يتأمله لبرهة ثم قال بلا اكتراث : " أخبرني أين هي؟", " حسناً لقد كانت هنا منذ الأمس ولكنها توسلت إلينا أن نجعلها تموت في مكانها المفضل, ولذا فقد زيّنا بها المكان استعدادا لطقوس موتها. أترى, لازلنا نملك مشاعراً نبيلة" قالها بسخرية لاذعة.
"مكانها المفضل" رددها ملتفاً ليواجه من انقض عليه من الخلف. ترددوا لبرهة عندما واجههم ولكنه لا يحمل سلاحاً, فقط وقف ينظر إليهم ولكن!
شيء مختلف حتماً, فهو يبدوا هادئاً من الخارج ولكن عينيه تشتعلان!! نظروا إلى زعيمهم, صرخ بهم كي يهاجموا.. وما إن تقدموا حتى تساقطوا على الأرض واحداً بعد الآخر. وبدأوا بالصراخ والصياح طلباً للإنقاذ
وماهي الا نصف دقيقة حتى عم الصمت المكان, الكل منذهل مما حدث خمسة منهم سقطوا دفعة واحدة!
لم يضع الوقت بل انقض على من تبقى منهم.. وأخذ يقضم رقابهم بوحشية لا مثيل لها .. لم يتبق سوى زعيمهم فسأله مرة أخرى بعد ان وقف أمامه بلمحة عين:"هل قلت بأنكم أخذتموها لمكانها المفضل؟ أين هو؟" وقف فاغراً فاه غير مستوعب حتى أمسك برقبته بقوه مجبراً إياه أن تلتقي عيناهما :"قلت لك أين هي؟"اتسعت عيناه في رعب حقيقي كيف تحول ذلك الشخص المسالم إلى وحش مرعب! لقد حذرونا كثيراً من إثارة غضبه ولكن!! "أ.. أنا.. أنا لا.. لا أكذب لقد ظلت تستجدي بأن تك.. تكون آخر لحظاتها هناك, في.. في القلعة المهجورة خا.. خارج لندن"
أحكم قبضته بقوة حتى تهشمت رقبته .
"سينتهي الوقت" أسرع نحو تلك القلعة, لحسن الحظ لاتبعد كثيراً سيصلها بعد دقيقتين او أقل..
بدت له تلك القلعة بعيييدة جداً, كما لو انه يأتيها للمرة الأولى وما ان اقترب أكثر حتى بدأ يسمعه! نبض قلبها ضعيف!! ورائحة دمائها تملأ المكان. ضاقت عيناه وأصبح أكثر شراسة من قبل
دخل القلعة متجهاً نحو غرفة محددة يعرفها مسبقاً ... "أيتها الشقيّة! ذلك بالتأكيد مكانك المفضل"
.
.
.
"مالذي حدث لك؟ آنيتا أجيبي"
"كيڤن, هلّا حققت لي أمنيتي؟" ردت بهمس. "ماهي؟"
"ماحدث اليوم كان ضمن طقوس وجدتها لمساعدتك في كسر لعنة عينيك!اشرب دمي وحتى آخر قطرة, يجب أن تفعل ذلك كيڤن و سوف تنجح سأكون ضحيتك الأخيرة اليوم برغبتي المطلقة.. أسرع كيڤن, أسرع قبل انتصاف الليل" ...