دروب الحياة 30

Mar 08, 2017 14:29

دروب الحياة ٣٠

تناهى إلى مسامعه صوت مربيته تحادث شخصاً ما عبر الهاتف ، بينما كان متدثراً ببطانيته ومغمضاً عينيه متظاهراً بالنوم ، و ما هي إلا لحظات قليلة حتى فُتح باب غرفته. جلست مربيته على السرير ، ربتت على كتفه وخاطبته هامسة: صغيري ماكس ، صباح الخير.


لم يشأ فتح عينيه ولكنه اضطر لذلك بعد أن أعادت جملتها أكثر من مرة ، نظر إليها بعينين نصف مغمضتين ، وقال مجبراً: صباح الخير آنسة مادلين.
نظرت إليه بابتسامة: هيا انهض اغسل وجهك ونظف أسنانك وغير ملابسك ، لقد جهزت الإفطار لنتناوله معاً.
تناول طعامه بضجر ، بينما كانت مربيته ترمقه بنظرات مبتهجة: لدي خبر سار هذا اليوم.
نظر إليها مترقباً ما ستقوله فلم يطل انتظاره : سوف آخذك لرؤية والدك وسوف تتمكن من اللعب معه.
خاطبها بعد برهة: لكن والدي نائم منذ زمن طويل.
اتسعت ابتسامتها وهي تجيبه: أعلم ذلك ، لكنه استيقظ اليوم ويود رؤيتك.
خاطبها الدكتور بنبرة مطمئنة: مؤشراته الحيوية طبيعية ، كما وأنه يستجيب للأوامر بشكل جيد.
ابتسمت سوزان والفرحة لا تكاد تسعها: الحمدلله والشكر لك ياربي.
خاطب الدكتور إيبل بينما كانت الممرضة تساعده على الجلوس: نظراً لقضائك فترة ليست بالقصيرة في السرير ، فسوف تواجه صعوبة في الحركة والكلام أيضاً ، ولكن لاتقلق.. سوف تخضع لبرنامج مكثف من العلاج الطبيعي والتأهيل العصبي، وهذا قد يساعدك لتعود إلى سابق عهدك.
أومأ إيبل برأسه مُمتناً.
سوزان وهي تعدل بطانيته: هل أنت متعب؟؟ هل ترغب بالاستلقاء؟؟
ابتسم إيبل وهو يهز رأسه نفياً، بعدها شدّ على يدها ليجذب انتباهها: أين.. ماكس؟؟
سوزان: لاتقلق، لقد هاتفتُ مربيته وسوف تحضره بعد قليل لزيارتك.
استند إيبل إلى مخدته وأطلق تنهيدة خفيّة، تأمّل سوزان وهي ترمقه بنظرات حانية وقد انسابت دموع الفرح على خديها، كم يرغب بتجاذب أطراف الحديث معها ولكن كيف ذلك و الحديث ببضع كلمات فقط يسبب له الإجهاد؟! كم يرغب بتحسس وجنتيها، وتجفيف دموعها، ولكن أنّى له ذلك وهو بالكاد يحرّك أصابعه؟!
أغمض عينيه جاهداً محاولاً تجاوز الألم الذي يشعر به، لم يسبق أن شعر بالضعف كما يشعر به الآن، هل سيعود لسابق عهده فعلاً بعد كل هذه الأسابيع من فقدان الوعي؟؟
قضى إيبل أيامه في المستشفى وهو يخضع للعلاج الطبيعي، لقد كان منهكاً ولكن وجود عائلته وأقرب الناس حوله كان يمدّه بالقوة.
سقط على الأرض يلهث خلال إحدى التمرينات، سحقاً!! متى ستستعيد عضلاته قوتها المعهودة؟!
تناهى لمسامعه صوت قهقهة عالية: لم أعهدك ضعيفاً هكذا!!
نظر ناحية الصوت وهو مستلقٍ يلتقط أنفاسه، ليتفاجأ بوجود عمّه لوين على كرسيه المتحرك.
**
بحلول المساء، عاد إلى المنزل منهكاً يرافقه آرثر، جلس في غرفة الضيوف و أمر الخادمة ان تُعد لهما بعض الشاي.
آرثر: كيف تشعر بعد تمارين اليوم؟؟
إيبل بابتسامة: أفضل مما مضى.
أسند رأسه إلى ذراعه وتنهد: لكني سئمتُ من ملازمة السرير، والكرسي المتحرك.
جلس آرثر على الكرسي مقابلاً له: على الأقل أصبحت تتحدث بطلاقةٍ دون أن ينقطع نَفَسُك كالسابق!
إيبل يضحك بخفة: أجل، هذا صحيح. وأيضاً أصبحت عضلاتي تتحسن شيئاً فشيئاً، أصبحت قادراً على تحريك ذراعي بصورة طبيعية تقريباً، لكن لايزال مشواري طويلاً بما يتعلق بأقدامي.
خاطبَه آرثر والإبتسامةُ المُطَمْئنة تعلو ثغره: إنك تبذل جهدك، أنا فخورٌ بك.
إيبلْ بابتسامةٍ هو الآخر: وأنا ممتن لوقوفك بجانبي في هذه المحنة.
قطع حديثهما دخول الخادمة بإبريق الشاي، يتبعها ماكس يجري نحو آرثر؛ الذي استقبله بالأحضان: اشتقتُ لكَ أيها الشقي الصغير.
ماكس بحماس: انظر إلى لعبتي الجديدة.
آرثر يتصنّع الدهشة: وااو، طائرةٌ مدهشة!!
أخذ ماكس يركض في الأرجاء، مُؤرجِحاً طائرته في الهواء وآرثر ينظر إليه بسعادة.
انتبه إلى إيبل وهو يبدو شارد الذهن، محدّقاً بكوب الشاي في يده..
آرثر: ما الأمر؟، تبدو مشغول البال.
استطرد إيبل مبتسماً: أوه، لا شيء مهم.
نهض آرثر يفتح ستائر الغرفة، يتأمل منظر الحديقة التي تطل عليها، وقد اكتست بمختلف الأزهار، وقطرات الماء المتساقطة من الشلال الاصطناعي قد خلقت منظراً بهيّاً.
قال باستدراك وهو يتأمل المنظر أمامه: لقد رأيتُ والداي اليوم، عندما جئت لاصطحابك بعد جلسة العلاج الطبيعي ، كانا يقفان خارج أسوار المستشفى.
إيبل: أوه، لقد صادفتهما إذن.
التفت آرثر مندهشاً: هل جاءا لرؤيتِك؟؟
أومأ إيبل برأسه: أجل.
( احتضنته عمته باكية، وكأنها تعوض سنين الجفاء التي كانت بينهما، فاحتضنها بالمقابل وهو يهمس لها بكلمات مطمئنة؛ يهدّئ من روعها.
لوين: أصبحنا نتشارك نفس الكرسي، يا للعجب!!
إيبل: إنها تبعاتٌ متوقعة بسبب الغيبوبة التي لازَمتني لستة أسابيع.
لوين: جئنا للاطمئنان عليك تلبيةً لرغبة عمتك فقط.
همست العمة في أذن إيبل: عمّك أيضاً كان قلقاً عليك طوال هذه المدة، لكنه يدّعي عكس ذلك.
لوين: لقد سمعتُ هذا يا مارغريت.
كتمت ضحكتها، بينما حاول إيبل إخفاء ابتسامته.
استرسل العم بعدها بصرامة: ابذل جهدك كي تتحسن، فالقضية لن تحل نفسها.
إيبل بصدمة: ماذا تقصد؟
وضع العم قبعته على رأسه، وأشار لزوجته بأن تدفع كرسيه للخروج: لا شيء يتم وراء ظهري، إن كنتَ عازماً على إنهائها، فإن لدي مايكفي من الأدلة لمساعدتك، ولكن عليك أن تتعافى سريعاً.)
آرثر: هكذا إذن، يبدو أن والدي يملك حججاً دامغةً بالفعل قد تساهم في إنهاء تلك القضية.
إيبل: ربما.
تنفس آرثر الصعداء وقال بارتياح: تبيّن أنهما لايزالان يهتمان لأمرك يا صديقي.
ابتسم إيبل بالمقابل: أجل، شعرتُ بالسعادة لوجودهما، لكن انتابني القلق على العمة مارغريت قليلاً، لقد كانت تبكي بشدة.
تفاجأ آرثر بماكس وهو ينظر لوالده ويخاطبه بسعادة: أريد اللعب مع عمتي(ماغيت)!!! أريد أن أريها طائرتي الجديدة، خذني إليها الآن!!
ردّ إيبل وهو يربت على رأس ابنه بحنان: الوقت متأخر الآن ياعزيزي، أعدك أن نزورها في أقرب فرصة.
قال آرثر بارتياب وقد رفع حاجبه متعجباً و ضم يديه ببعضهما: ما الذي يجري هنا؟!
أطلق إيبل ضحكة عفوية مراقباً رد فعل آرثر: كانت والدتك تزور ماكس مع مربيته بانتظام حينما كنتُ فاقداً للوعي،كان ماكس يتحدث عنها باستمرار بعد أن استيقظت، وقد أكدت كلامه المربية عندما سألناها.
انفرجت أسارير آرثر، وباغت ماكس عندما حمله وأخذ يلثمه بالقبلات ويدور به وهو يصرخ ضاحكاً: أجل!! لقد كنتُ واثقاً أنهما لم ولن يتخلّيا عن والدك أبداً.
نظر لِعيني ماكس وقال بسعادة غامرة: معدن الناس يتّضح عند المصائب يا فتى!! تذكر هذا دائماً.
**

دروب الحياة

Previous post Next post
Up