Aug 01, 2011 02:03
.
لم يكن خمسة شخصية فظة أو متحجرة القلب، في الحقيقة إنهُ رجلٌ شريف يقدس مهنته فوق أي شيء آخر، لكن هذه الصفة " تفانيه بالأصح " تأخذ بعداً آخر أحياناً ..
بخلاف سبعة وعشرين، فإني بطريقة ما أفهم دوافع أفعال خمسة لمجموعة الباحثين، وأفهم أيضاً لِمَ أجبر "شمع" على دخول كهف الغاز الطبيعي دون إرتداء قناعٍ واق على وجهه، ورفضه لمداواة ذوي الجراح الخطرة في المعسكر..
خمسة شخص طموح جداً، يحب أن يرى نتائج عمله مثمرة مهما كانت التضحيات ، - حسناً لقد عملت معه لمدة ثلاثة أشهر فقط، لذا ما أعرفه عنه هو ما أعرفه منه -
لكن حقاً، لا أجد أي دافع ليبرر فعلنا، أو آخر يبرر فعله ..
جميعنا خاطئون، لايوجد إجابة واضحة عما هو " صحيح " ويجب أن نتقيد به تماماً .
فعالم البشر هذا متعب جداً، تحكمه قوانين كثيرة، لكن أحداً منها لا يسن قوانين خاصة وواضحة لما يسمى بـ " الضمير" أو " العدالة" أو ماهي "الخيانة" بالضبط !
لِم لَم يستطع أحداً طوال فترة حياة هذه البشرية أن يحدد هذه المصطلحات ويعرفها لنا بعيداً عن ردائها الفضفاض هذا ؟
أليس ذلك هو عمل الفلاسفة القدماء ؟
تباً لهم، فكرو كثيراً وأصابونا بالإعياء لكثرة أحاديثهم وثرثرتهم، لكن أحداً منهم لم يجب على سؤالي بوضوح ..
آه تباً .. لقد حدت عن موضوعي الأساسي !
على لٌ، خمسة لم يكن سيئاً، لطالما آمنت بذلك، ومازلت أؤمن به حتى الآن... فرغم قرارنا المتسرع، فجميعنا بشر ، نتمادى في تحقيق مبادئنا وأهدافنا أحياناً ..
في الحقيقة لدي الكثير من الوقت الفائض ! فبين الهرب والإبتعاد عن أي مكان مشبوه قد تجدنا المنظمة فيه، وبين أوقات الراحة التي نقضيها تحت أنقاض المدن و الواحات المهجورة زمن طويل من الفراغ القاتل .
" شمع" مريض بسبب الإجهاد في العمل، مرضه هذا - الذي لا أعرف عنه شيئاً بالمناسبة لإني لست طبيباً ولم يسبق لي أن قابلت واحداً قط - لا يُمكنه من الحركة كثيراً ، فهو يسقط مغشياً عليه عندما نجد السير لثلاث ساعات متواصلة، ويصاب بالإعياء حين نكون داخل كهفٍ متقاربة جدرانه ، كما أن هذا الفتى بالكاد يتكلم لنفهم منه طبيعة مرضه !
لكن سبعة وعشرين مهتم بالفتى كثيراً، مما أدهشني، فهو متكاسل مزاح، ولم يظهر لأحدهم أدنى ذرة إهتمام من القبل ... حسناً ربما الظروف التي عشتها معه لم تمكنني من فهم شخصيته جيداً .
هذه الأحداث المتعاقبة ذكرتني بصديقي العزيز أيام طفولتنا ، لقد مرت سنوات كثيرة أنستني حتى إسمه، أكنت سأفعل الشيء نفسه لو علمت بإنهم سيضحون به فقط لأجل هذه القرية ؟
أكنت سأقف ضد الحياة لإنقاذ روح واحدة فقط ؟
لا أعرف حقيقةً .. ولا أظن أنني سأجد الجواب بالتفكير فقط ! فها أنا الآن أُجابه العالم مع هذا الأحمق لأجل فتى مريض قد يخر صريعاً بأية لحظة !
ها أنا الآن أقف وحيداً .. لا قرية تنتظر عودتي، لا عمل يترقب تقريري.
ها أنا الآن أشعر بأني أفعل الصواب برغبتي، ولأول مرة ..
فإن مت الآن، بالتأكيد لن أندم على ذلك أبداً
****
- هيّ ! إثنان وأربعون، ألا تظن أنكَ متعلق بمذكرتك أكثر من اللازم ؟ لن تستطيع التمتع بحياتك إن إنشغلت بتدوينها أيها الفيلسوف !
أغلق إثنان وأربعون دفتره بهدوء وأعاده إلى الحقيبة قائلاً :
- كيف حال الفتى ؟
- شمع ؟ إنه بخير، لقد نام .
- جيد .. الآن أخبرني، ألا تظن أنه الوقت المناسب لنخطط لوضعنا الراهن ؟ ماذا سنفعل وكيف نعيش من الآن فصاعداً ؟
ضحك سبعة وعشرين لسؤال رفيقه فرحاً بإفتتاحه الموضوع وأخرج قطعة ورق مهترئة من جيبه ونفضها على الأرض ، تلك الورقة عبارة عن خريطة قديمة لمجموعة من الأراضي والمدن لما قبل الحرب ... خريطة أطلال زائلة كما ينبغى أن تسمى الآن .
- ماذا ؟ أمازلت تنوي التنقيب حتى الآن ؟ إنحنى إثنان وأربعون إلى الخريطة متأملاً إياها ، بينما سبعة وعشرون واقف يتأمل رفيه والضحكة تكاد تشق وجهه :
- أتظن أنني عملت ثلاثة سنوات في التنقيب الممل المتعب لأخرج دون هدية لنفسي ؟ إنها وثيقة .... سرية !
صفر سبعة وعشرين وأشار إلى نقطة مرسومة في الخريطة بكل زهو :
- هذه أنقاض مدينة ..
صمت للحظة ليتأكد من أن رفيقه يستمع إليه بتركيز :
- ... وهي مأهولة بالسكان !
علت لحظة من الصمت قطعها تنهد إثنان وأربعون وقيامه من مكانه :
- بالفعل، من الخطأ مجاراة أفعالك !
أحس سبعة وعشرين بالتهديد لمصداقيته فقفز سريعاً إلى صديقه موضحاً :
- أحمق ! أتظن أن الأرض لن تستعيد عافيتها طوال هذه السنين ! أتظن أن من المنطقي عيشنا في أقفاص القمامة تلك ؟ ألم تلاحظ أن الأمر غريب ؟ فقط نحن والعمال وأولئك الأغنياء المتحذلقين ؟
ألم تشعر بالإستغلال من جيوب المال تلك ؟ ؟!
حماس سبعة وعشرين وكلماته أوقفت رفيقه الذي أومأ برأسه موافقاً :
- لكن، أنت تعرف... لم نرى أي كائن حي خلال تنقيبنا ... .
- تماماً ! لم ننرى أي كائن حي ! هذا ما أرادو منا تصديقه !
جلس سبعة وعشرين أمام خريطته ثانية وبدأ يرسم بعض الخطوط عليها :
- إن أنت دققت هُنا وهُنا وهُنا، فستجد أن جمعية المنقبين تبحث فقط في هذه المناطق التي دارت "أساساً" رحى الحرب فيها ، بينما هُنا وهُنا وهُنا أيضاً مناطق محرمة أعتبرت شديدة التسمم وخطرة بينما الحرب لم تصل إليها !
شعر إثنان وأربعون بالحماس والقلق مما قاله زميله، هل حقاً كان يعيش في الوهم طوال تلك السنين ؟ وهذه المناطق التي لم يسمع بها أبداً من قبل، هل هي موجوةه ؟ أيوجد حقاً أنهار وحدائق وحيوانات بريه ؟ لوحات زيتية مليئة بالبهجة وأطفالٌ يلعبون بروث الغنم ؟
- من أين علِمتَ كل هذا ؟
- صديق ليأخبرني بهذا، إلتقيته مره بإحدى المهام، إنها قصة طويله ، لكن المهم .. أنظر هناك منطقة مأهولة بالسكان تبعد خمسين كيلومتراً من هُنا ، سنذهب إلى هناك، فشمع يحتاج إلى طبب .
- آه .... حسناً
صمت الإثنان للحظات، وكأن هذه الإنسيابية من الصمت الهادئ تخاطب روح كل منهما وتهيئمها للمخاطر القادمة المحتملة، المكان بعيد، والمنظمة ستسعى للإنتقام بالتأكيد ... ستذبحهم كالخراف تماماً .
لكن ... لماذا تستنفر منمة قوية كل طاقاتها لإستعادة مبتدِئين وطفل مريض ؟ ألا يكفي أن تركهم يتضورون جوعاً في الصحراء على إعتبار عدم معرفتهم بسر " القرى المأهولة بالسكان " ؟
- ..... هناك أمر آخر
قال سبعة وعشرون بهدوء دون أن يرفع عينيه لرفيقه :
- .... يجب .. أن .. نسمي أنفسنا ..
صَمتَ للحظة وكأنه يخاف أن يسمع رفاقه البعيدون بالمنظمة كلامه هذا ويضحكون هزءاً به، أن يعلم مدرسيه الئين أطلقوا عليه هذا "الرقم" منذ يوم ولادته ليصبح منقباً وفياً لقريته حتى يوم مماته، أو بالأحرى صمته هذا حتى لا يشعر بالخجل من رفيقه الذي يسمع مايقوله الآن :
- .. أريد أن نملك أسماء حقيقية ... كالبشر العاديين .
قصة، تمرين كتابة، تويتر، أوقات مختلفه,
رواية، تأليفي، تدريب